الطبيب العراقي محمد طاهر يعيد الأمل لفتاة فلسطينية ببتر يدها
في قصة إنسانية مؤثرة تعكس التحدي والصمود في مواجهة الظروف الصعبة، تمكن الطبيب العراقي محمد طاهر، المتخصص في جراحة الأطراف الدقيقة، من تحقيق إنجاز طبي مدهش في قطاع غزة. بتفانٍ وجهود استثنائية، استطاع إعادة توصيل يد الطفلة الفلسطينية مريم، التي بُترت يدها نتيجة القصف الإسرائيلي.
البداية: مأساة وسط الدمار
تعود القصة إلى الطفلة مريم، التي تعرضت لإصابة بليغة خلال قصف عنيف وسط قطاع غزة، أدى إلى بتر يدها وإصابتها بجروح خطيرة في المعدة. لم تقتصر المأساة على ذلك، إذ بقيت اليد المبتورة تحت الركام لمدة ثلاثة أيام، وسط أجواء من الألم واليأس.
عندما وصل الدكتور محمد طاهر إلى مستشفى الأقصى ضمن الفريق الطبي الأوروبي المتطوع، التقى مريم التي كانت تعاني من آلام شديدة وفقدان أمل عائلتها في إنقاذ يدها. طلب الطبيب من والدها البحث عن اليد المبتورة لإجراء تقييم سريع حول إمكانية إعادة توصيلها.
التحدي: إعادة يد بعد ثلاثة أيام تحت الركام
رغم مرور ثلاثة أيام على وجود اليد المبتورة تحت الأنقاض، تمكنت عائلة مريم من العثور عليها وإحضارها إلى المستشفى. عندما فحص الطبيب اليد، وجد أنها ملوثة بمواد كيماوية نتيجة الانفجار.
بدأت المرحلة الأولى بفحص دقيق وتشريح اليد لتحديد صلاحيتها لإجراء الجراحة، ووفقًا لما قاله الدكتور طاهر:
“رغم الظروف القاسية، كانت اليد مهيأة للتوصيل، لكن كان لدي مخاوف كبيرة من حدوث التهابات نتيجة التلوث.”
طبيب عراقي لراية: أهل غزة يعيشون “فيلم رعب” والإصابات لم نر مثلها
وصف الطبيب العراقي محمد طاهر جراح الأعصاب الطرفية والعظام، ما يعيشه سكان قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من عام، بأنه أشبه بـ“فيلم رعب”.
وقال د. طاهر في حديثٍ خاص لمراسلة شبكة “رايـــة” الإعلامية إن الإصابات التي يتعامل معها جراء القصف الإسرائيلي، غير مسبوقة، ولم يسبق أن صادف إصابات بهذه الشدة والصعوبة من قبل.
ولفت إلى أنه اعتاد على مشاهدة هذه الإصابات الصعبة بحكم وجوده لفترات طويلة في القطاع، مستدركا: “لكن مع مرور الوقت أرى حالات صعبة جدا وبتر أطراف وحروق شديدة لأطفال ونساء..”.
وكان د. طاهر وهو بريطاني من أصول عراقية، أحد الشهود على مجزرة الاحتلال التي استهدفت خيام النازحين، داخل جدران مستشفى شهداء الأقصى الذي يعمل فيه منذ قدومه للقطاع قبل أسابيع قليلة.
وعقب قائلا: “كنا في غرفة العمليات نعالج جرحى وصلوا من استهداف مدرسة. كنا نحاول إنقاذ أكبر عدد ممكن، وصارت هذه الضربة. شيء غير طبيعي، لا أحد يقدر يستوعب مدى الجرم الذي يحصل في قطاع غزة الآن”.
وأشار إلى أن الضربة الإسرائيلية التي استهدفت خيام النازحين في مستشفى شهداء الأقصى، أدت لارتقاء الكثير من المواطنين، واحتراق آخرين أمام أعينه، متساءلا: “كيف يُمكن للإنسان أن يتقبل هذا؟ وين ضمير الشعب العربي والإسلامي؟ كيف يتحملون أن يشاهدون هذه المناظر ولا يتحركون”.
وتابع: “لا نقول غير حسبنا الله ونعم الوكيل، لا حول ولا قوة إلا بالله”.
وختم الطبيب العراقي حديثه، قائلا: “أهل غزة صامدون وصابرون ومؤمنون. لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. وان شاء الله أهل غزة قدها وهم الله حملهم هذه المسؤولية وان شاء الله ينصرهم قريبا”.
الجراحة: عمل دقيق وسط ظروف استثنائية
في أجواء شديدة البرودة، ووسط إمكانيات طبية محدودة، بدأ الطبيب محمد طاهر وفريقه إجراء الجراحة المعقدة التي استغرقت ساعات طويلة. الجراحة تطلبت دقة متناهية بسبب الطبيعة الحساسة للأعصاب والأوعية الدموية.
ورغم الصعوبات، نجحت الجراحة بفضل الخبرة والمهارة التي يتمتع بها الطبيب طاهر، الذي صرح بعد العملية:
“كانت العملية ناجحة من الناحية التقنية، لكن القلق كان يساورني من إمكانية حدوث التهابات تؤثر على الطرف المبتور.”
الأمل: بداية جديدة لمريم
بعد نجاح العملية، استطاعت مريم استعادة يدها، مع وجود خطط للعناية اللاحقة والعلاج الطبيعي لضمان عودة الوظائف الحركية ليدها.
ما قام به الدكتور محمد طاهر لم يكن مجرد عملية جراحية، بل كان رسالة إنسانية تعكس دور الأطباء في إنقاذ الأرواح وإعادة الأمل وسط المآسي. كما أكد طاهر أن التحدي الأكبر في غزة ليس الجراحات الدقيقة فحسب، بل الظروف الصعبة التي تجعل من كل إنجاز طبي معجزة حقيقية.
رسالة أمل وتحدٍ
قصة الطبيب العراقي محمد طاهر والطفلة مريم تُبرز الوجه الإنساني للمهنة الطبية، حيث تعكس كيف يمكن للعلم والإرادة أن ينتصرا على الدمار واليأس.
في ظل الظروف القاسية التي يعاني منها سكان غزة، تأتي هذه القصة لتسلط الضوء على الدور البطولي للكوادر الطبية المتطوعة، التي تضع الإنسانية فوق كل اعتبار، لتعيد الأمل للأطفال والعائلات التي دمرتها الحرب.
إن جهود الدكتور محمد طاهر وفريقه تمثل مثالًا حيًا للتفاني في العمل الإنساني. قصة مريم ليست مجرد نجاح طبي، بل رمزًا للصمود والإرادة، حيث يظل الأمل دائمًا حاضرًا رغم أصعب الظروف.